فصل: تفسير الآيات (7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة النحل بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
وأخرج النحاس من طريق مجاهد، عن ابن عباس قال: سورة النحل نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فانهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت {أتى أمر الله} ذعر أصحاب رسول الله، حتى نزلت {فلا تستعجلوه} فسكنوا.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم، عن أبي بكر بن حفص قال: لما نزلت {أتى أمر الله} قاموا فنزلت {فلا تستعجلوه}.
وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك، عن ابن عباس {أتى أمر الله} قال: خروج محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال: دخلت المسجد فصليت فقرأت سورة النحل، وجاء رجلان فقرا خلاف قراءتنا، فأخذت بأيديهما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: «يا رسول الله، استقرئ هذين فقرأ أحدهما فقال: أصبت. ثم استقرأ الآخر فقال: أصبت. فدخل قلبي أشدّ مما كان في الجاهلية من الشك والتكذيب، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري فقال: أعاذك الله من الشك والشيطان. فتصببت عرقًا، قال: أتاني جبريل فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد. فقلت: إن أمتي لا تستطيع ذلك، حتى قال: سبع مرات. فقال لي: اقرأ على سبعة أحرف، بكل ردة رددتها مسألة».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن جريج قال: لما نزلت هذه الآية {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن أمر الله قد أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا: ما نراه نزل. فنزلت {اقترب للناس حسابهم}. الآية. فقالوا: إن هذا يزعم مثلها أيضًا، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا: ما نراه نزل شيء، فنزلت {ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدوة}. [هود: 8]. الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس، فما تزال ترتفع في السماء حتى تملأ السماء، ثم ينادي مناد: يا أيها الناس، فيقبل الناس بعضهم على بعض: هل سمعتم؟ فمنهم من يقول: نعم، ومنهم من يشك. ثم ينادي الثانية: يا أيها الناس، فيقول الناس: هل سمعتم؟ فيقولون: نعم. ثم ينادي: أيها الناس {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالذي نفسي بيده، إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه، وإن الرجل ليملأ حوضه فما يسقي فيه شيئًا، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه ويشغل الناس».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الضحاك في قوله: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} قال: الأحكام والحدود والفرائض.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {ينزل الملائكة بالروح} قال: بالوحي.
وأخرج آدم بن أبي أياس وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس قال: {الروح} أمر من أمر الله وخلق من خلق الله، وصورهم على صورة بني آدم، وما ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد من الروح، ثم تلا {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا} [النبأ: 38].
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن مجاهد في قوله: {ينزل الملائكة بالروح من أمره} قال: إنه لا ينزل ملك إلا ومعه روح كالحفيظ عليه، لا يتكلم ولا يراه ملك ولا شيء مما خلق الله.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {ينزل الملائكة بالروح من أمره} قال: بالوحي والرحمة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن في قوله: {ينزل الملائكة بالروح} قال: بالنبوة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن الضحاك في قوله: {ينزل الملائكة بالروح} قال: القرآن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن الربيع بن أنس في قوله: {ينزل الملائكة بالروح} قال: كل شيء تكلم به ربنا فهو روح: {من أمره} قال: بالرحمة والوحي على من يشاء من عباده، فيصطفي منهم رسلًا. {أن أنذروا أنه لا اله إلا أنا فاتقون} قال: بها بعث الله المرسلين أن يوحد الله وحده، ويطاع أمره ويجتنب سخطه.
وأخرج ابن سعد وأحمد وابن ماجة والحاكم وصححه، عن يسر بن جحاش قال: بصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفه ثم قال: «يقول الله أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سوّيتك فعدلتك مشيت بين برديك، وللأرض منك وئيد. فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: أتصدق وأنى أوان الصدقة». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)}.
قوله تعالى: {مِن نُّطْفَةٍْْ} متعلّق بـ {خَلَق} و{مِنْ} لابتداء الغاية، والنُّطْفَةُ: القَطْرَةُ من الماء، نَطَفَ رأسُه ماء، أي: قَطَر، وقيل: هي الماء الصافي ويُعَبَّرُ بها عن ماء الرجل، ويُكْنَى بها عن اللؤلؤة، ومنه صبيٌّ مُنَطَّف: إذا كان في أذنه لُؤْلؤة، ويقال: ليلة نَطُوف: إذا جاء فيها مطرٌ، والناطِف: ما سال من المائعاتِ، نَطَفَ يَنْطِفُ، أي: سال فهو ناطِفٌ، وفرنٌ يَنْطِفُ بسوءٍ.
قوله: {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} عَطَفَ هذه الجملةَ على ما قبلَها. فإن قيل: الفاء تدلُّ على التعقيب، ولاسيما وقد وُجِدَ معها {إذا} التي تقتضي المفاجَأةَ، وكونُه خصيمًا مبينًا لم يَعْقُبْ خَلْقَه مِنْ نُطْفة، إنما توسَّطَتْ بينهما وسائطُ كثيرةٌ. فالجوابُ من وجهين، أحدُهما: أنه من باب التعبير عن حال الشيءِ بما يَؤُول إليه، كقوله تعالى: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]، والثاني: أنه أشار بذلك إلى سُرْعَةِ نِسْيانهم مَبْدَأَخَلْقِهم، وقيل: ثَمَّ وسائِطُ محذوفةٌ، والذي يظهر أنَّ قوله: {خَلَقَ} عبارةٌ عن إيجاده وتربيتِه إلى أن يبلغَ حدَّ هاتين الصفتين.
و{خصيم} فَعِيْل، مثالُ مبالغةٍ مِنْ خَصَم بمعنى اختصم، ويجوز أن يكونَ مُخاصِم كالخَلِيط والجَلِيس.
{الْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)}.
قوله تعالى: {والأنعام خَلَقَهَا} العامَّةُ على النصبِ وفيه وجهان، أحدُهما: نصبٌ على الاشتغالِ، وهو أرجحُ مِن الرفعِ لتقدُّمِ جملةٍ فِعليةٍ، والثاني: أنه نصبٌ على عَطْفِه على {الإِنسان}، قاله الزمخشريُّ وابنُ عطية، فيكون {خَلَقَها} على هذا مؤكِّدًا، وعلى الأول مفسِّرًا، وقُرئ في الشاذِّ {والأنعامُ} رفعًا وهي مَرْجُوحَةٌ.
قوله: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} يجوز أن يَتَعَلَّقَ {لكم} ب {خَلَقَها}، أي: لأجلِكم ولمنافعِكم، ويكون {فيها} خبرًا مقدمًا، {ودِفْءٌ} مبتدأً مؤخرًا، ويجوز أن يكونَ {لكم} هو الخبر، و{فيها} متعلِّقٌ بما تعلَّقَ به الخبرُ، أو يكونَ {فيها} حالًا من {دِفْء} لأنه لو تاخَّر لكان صفةً له، أو يكونَ {فيها} هو الخبرَ، و{لكم} متعلِّقٌ بما تعلَّق به، أو يكونَ حالًا مِنْ {دِفْء} قاله أبو البقاء، ورَدَّه الشيخ بأنه إذا كان العاملُ في الحال معنويًا فلا يتقدَّم على الجملةِ بأسرها، لا يجوز: قائمًا في الدار زيدٌ فإنْ تأخَّرَتْ نحو: زيدٌ في الدار قائمًا جازَ بلا خلافٍ، أو توسَّطَتْ فخلافٌ، أجازه الأخفشُ، ومنعه غيرُه.
قلت: ولقائلٍ أن يقولَ: لَمَّا تقدَّمَ العاملُ فيها وهي معه جاز تقديمُها عليه بحالها، إلاَّ أنْ يقولَ: لا يَلْزَمُ مِنْ تقديمِها عليه وهو متأخرٌ تقديمُها عليه وهو متقدمٌ، لزيادةِ القبح.
وقال أبو البقاء أيضًا: ويجوز أَنْ يرتفعَ {دِفْء} ب {لكم} أو ب {فيها} والجملةُ كلُّها حالٌ من الضمير المنصوب. قال الشيخ: ولا تُسَمَّى جملةً؛ لأنَّ التقدير: خلقها كائنًا لكم فيها دفءٌ، أو خَلَقها لكم كائنًا فيها دِفْءٌ قلت: قد تقدَّم الخلاف في تقدير متعلِّق الجارِّ إذا وقع حالًا أو صفةً أو خبرًا: هل يُقَدَّرُ فِعْلًا أو اسمًا؟ ولعلَّ أبا البقاء نحا إلى الأولِ، فتسميتُه له جملةً صحيحٌ على هذا.
والدِّفْء اسمٌ لِما يُدْفَأُ به، أي: يُسْخَنُ، وجمعُه أدْفاء، ودَفِئَ يومُنا فهو دَفِىءٌ، ودَفِئَ الرجلُ يَدْفَأُ دَفاءةً ودَفَاء فهو دَفْآنُ، وهي دَفْأَى، كسَكْران وسَكْرى، والمُدْفَأة بالتخفيفِ والتشديد: الإِبلُ الكثيرةُ الوبرِ والشحمِ. قيل: الدِّفْءُ: نِتاجُ الإِبل وألبانُها، وما يُنْتفع به منها.
وقرأ زيدُ بنُ عليّ {دِفٌ} بنَقْلِ حركةِ الهمزةِ إلى الفاء، والزهريُّ كذلك، إلا أنه شَدَّدَ الفاء، كأنه أجرى الوَصْلَ مُجْرى الوقفِ نحو قولِهم: هذا فَرُخّْ بالتشديد وقفًا، وقال صاحب اللوامح: ومنهم مَنْ يُعَوِّضُ من هذه الهمزةَ فَيُشَدِّد الفاء، وهو أحدُ وجهَيْ حمزةَ بنِ حبيب وقفًا. قلت: التشديد وَقْفًا لغةٌ مستقلةٌ، وإن لم يكن ثَمَّ حَذْفٌ من الكلمةِ الموقوفِ عليها.
قوله: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (مِنْ) هنا لابتداء الغاية، والتبعيض هنا ضعيفٌ. قال الزمخشري: فإن قلت: تقديمُ الظرفِ مُؤْذِنٌ بالاختصاصِ، وقد يُؤْكَلُ مِنْ غيرِها. قلت: الأكل منها هو الأصلُ الذي يعتمده الناسُ، وأمَّا غيرُها مِن البَطِّ والدَّجاج ونحوِها من الصَّيْد فكغيرِ المُعْتَدِّ به.
{لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)}.
قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} كقوله: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} [النحل: 5]، و{حين} منصوبٌ بنفس {جَمال}، أو بمحذوفٍ على أنه صفةٌ له، أو معمولٌ لِما عَمِل في {فيها} أو في {لكم}.
وقرأ عكرمةُ والضحاك: {حينا} بالتنوين على أنَّ الجملةَ بعدَه صفةٌ له، والعائدُ محذوفٌ، أي: حينًا تُرِيْحون فيه، وحينًا تَسْرحُون فيه، كقوله تعالى: {واتقوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ} [البقرة: 281].
وقُدِّمَتْ الإِراحةُ على السَّرْحِ؛ لأنَّ الأنعامَ فيها أجملُ لِمَلْءِ بطونِها وتَحَفُّلِ ضُروعِها.
والجَمالُ: مصدرُ جَمُلَ بضمِّ الميم يَجْمُل فهو جميل، وهي جميلة، وحكى الكسائيُّ جَمْلاء كَحَمْراء، وأنشد:
فهِيَ جَمْلاء كَبَدْرٍ طالعٍ ** بَذَّتِ الخَلْقَ جميعًا بالجَمالْ

ويقال: أراحَ الماشيةَ وهَرَاحَها بالهاء بدلًا من الهمزة، وسَرَحَ الإِبلَ يَسْرَحُها سَرْحًا، أي: أرسلَها، وأصلُه أن يُرْسِلَها لترعى السَّرْحَ، والسَّرْحُ شجرٌ له ثمرٌ، الواحدة سَرْحَة. قال:
أبى اللهُ إلا أنَّ سَرْحَةَ مالكٍ ** على كلِّ افنانِ العِضاهِ تَرُوْقُ

وقال:
بَطَلٌ كأن ثيابَه في سَرْحةٍ ** يُحْذَى نِعالَ السَّبْتِ ليس بتوْءَم

ثم أُطْلِق على كل إرسالٍ، واستُعير أيضًا للطَّلاق فقالوا: سَرَّحَ فلانٌ امرأتَه، كما تسعير الطلاقُ أيضًا من إطلاق الإِبل من عُلُقِها، واعتُبِر من السَّرْحِ المُضِيُّ فقيل: ناقَةَ سُرُحٌ، أي: سريعة قال: سُرُحُ اليَدَيْن وحَذَفَ مفعولي {تُرِيْحون} و{تَسْرَحُون} مراعاةً للفواصل مع العلم بهما. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)}.
تَعرًّفَ إلى العقلاء بكمال قدرته حيث أخبر أنه، قدر على تصوير الإنسان على ما فيه من التركيب العجيب، والتأليف اللطيف؛ من نطفةٍ متماثلة الأجزاء، متشاكلة في وقت الإنشاء، مختلفة الأعضاء وقت الإظهار والإبداء، والخروج من الخفاء. ثم رَكَّبَ فيه تمييز وعقل، ويَسَّرَ له النقطَ والفعل، والتدبير في الأمور والاستيلاء على الحيوانات على وجه التسخير.
{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)}.
ذكَّرهم بما تفَّضل عليهم، وأخبرهم بما للحيوانات من النِّعم، وما لهم فيها من وجوه الانتفاع في جميع الأحوال، كالحْمِل وكالسفر عليها وقطع المسافات، والتوصُّل على ظهورها إلى مآربهم، وما لِنَسْلِها ولدرِّها من المنافع.
{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)}.
الغنيُّ له جمال بماله، والفقير له استقلال بحاله.، وشتَّان ما هما! فالأغنياء يتجملون بأنعامهم حين يريحون وحين يسرحون، والفقراء يستقبلون بمولاهم حين يصبحون وحين يمسون. أولئك تحمل أثقالَهم جِمالُهم، وهؤلاء يحمل الحقُّ عن قلوبِهم أثقالَهم. اهـ.

.تفسير الآيات (7- 8):

قوله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)}.

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما كانت الأسفار بعد ذلك، تلاه بقوله تعالى: {وتحمل} أي الأنعام {أثقالكم} أي أمتعتكم مع المشقة {إلى بلد} أي غير بلدكم أردتم السفر إليه {لم تكونوا}- أي كونًا أنتم مجبولون عليه- قادرين على حملها إليه، وتبلغكم- بحملها لكم- إلى بلد لم تكونوا {بالغيه} بغير الإبل {أي بشق} أي بجهد ومشقة وكلفة {الأنفس} ويجوز أن يكون المعنى: لم تبلغوه بها، فكيف لو لم تكن موجودة؛ والشق: أحد نصفي الشيء، كأنه كناية عن ذهاب نصف القوة لما يلحق من الجهد؛ والآية من الاحتباك: ذكر حمل الأثقال أولًا دليلًا على حمل الأنفس ثانيًا، وذكر مشقة البلوغ ثانيًا دليلًا على مشقة الحمل أولًا.
ولما كان هذا كله من الإحسان في التربية، ولا يسخره للضعيف إلا البليغ في الرحمة، وكان من الناس من له من أعماله سبب لرضى ربه، ومنهم من أعماله كلها فاسدة، قال: {إن ربكم} أي الموجد لكم والمحسن إليكم {لرؤوف} أي بليغ الرحمة لمن يتوسل إليه بما يرضيه {رحيم} أي بليغ الرحمة بسبب وبغير سبب.
ولما كانت الأنعام أكثر أموالهم، مع أن منافعها أكثر، بدأ بها ثم ثنى بما هو دونها، مرتبًا له على الأشراف فالأشراف، فقال تعالى: {والخيل} أي الصاهلة {والبغال} أي المتولدة بينها وبين الحمر {والحمير} أي الناهقة.
ولما كان الركوب فعل المخاطبين، وهو المقصود بالنفعة، ذكره باللام التي هي الأصل في التعليل فقال: {لتركبوها} ولما كانت الزينة تابعة للمنفعة، وكانت فعلًا لفاعل الفعل المعلل، نصبت عطفًا على محل ما قبلها فقال: {وزينة}.
ولما دل على قدرته بما ذكر في سياق الامتنان، دل على أنها لا تتناهى في ذلك السياق، فنبه على أنه خلق لهم أمورًا لو عدها لهم لم يفهموا المراد على سبيل التجديد والاستمرار في الدنيا والآخرة {ما لا تعلمون} فلا تعلمون له موجدًا غيره ولا مدبرًا سواه. اهـ.